كل ما يخص الموارد البشرية في المملكة العربية السعودية
مجموعة من الاأراء والمقالات لأفضل الكتاب
العافية المؤسسية
Aug 24, 2025
انكلوسيف

إنذار: الموظفون على وشك الإحتراق!
دليل عملي للموظفين والمديرين للتعرف على الإرهاق المهني والتعامل معه بفعالية، مما يُسهم في بناء بيئات عمل أكثر صحة ومرونة.
العمل جزء أساسي من هويتنا، ومصدر لتحقيق الذات والشعور بالإنجاز. ولكن ماذا لو تحول هذا المحرك للطموح إلى سبب لاستنزاف طاقتنا وحيويتنا؟ لا يقتصر الأمر على الشعور بالتعب العادي في نهاية يوم شاق، بل قد يتفاقم ليصبح (الإرهاق المهني Job Burnout)، وهي ظاهرة خطيرة تترك أثراً عميقاً على صحة الموظفين، وأداء المؤسسات على حد سواء.
يُقدم هذا المقال دليلاً شاملاً للموظفين والمديرين على حد سواء، لمساعدتهم على فهم ظاهرة (الإرهاق المهني Job Burnout)، والتعرف على علاماتها المبكرة، وتطبيق استراتيجيات فعالة للوقاية منها، لأن فهم المشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل.
1. الإرهاق المهني: ما هو وما هي أعراضه؟
يُعرف الإرهاق المهني (Job Burnout) بأنه حالة من الإرهاق العاطفي والجسدي والعقلي تنتج عن الضغوط الزائدة والمستمرة في بيئة العمل. هذه الحالة تستنزف طاقة الفرد وتجعله يشعر بالعجز واليأس والتشاؤم تدريجياً، مما يقلل من إنتاجيته ورضاه عن عمله.
قد تظهر أعراض الإرهاق المهني على شكل علامات جسدية وعاطفية وعقلية، تشمل:
- أعراض جسدية: الشعور بالتعب والإرهاق معظم الوقت، وضعف المناعة والإصابة المتكررة بالأمراض، وصداع متكرر أو آلام عضلية، وتغير في الشهية أو عادات النوم.
- أعراض عاطفية وعقلية: الشعور بالفشل والشك في الذات، وفقدان الدافع، وزيادة النظرة التشاؤمية والسلبية، وتقليل الشعور بالإنجاز، وتأجيل القيام بالأعمال، والانسحاب من المسؤوليات.
2. الأسباب الجذرية للإرهاق: المشكلة قد تكون في النظام، لا في الفرد
بينما قد يُعتقد أن الإرهاق المهني ناتج عن ضعف فردي، تُشير الأبحاث إلى أن أسبابه غالبًا ما تكون متجذرة في بيئة العمل نفسها، وتُعرف هذه العوامل بالمخاطر النفسية والاجتماعية في العمل. تشمل هذه الأسباب:
- أعباء العمل المفرطة وساعات العمل الطويلة: عندما تكون قائمة المهام طويلة جدًا أو يضطر الموظف للعمل لساعات إضافية باستمرار، يؤدي ذلك إلى ضغط شديد وإرهاق. على سبيل المثال، أن يظل الموظف لفترة طويلة في دائرة من العمل الضاغط الذي لا ينتهي، يمر شهر تلو الآخر بنفس الوتيرة ليجد الموظف نفسه في دائرة من الضغط تتكرر مراراً، فيفقد الأمل في نهاية هذا الضغط ويبدأ في سلسلة السلبية التي سبق ذكرها.
- ضعف السيطرة وعدم وضوح المهام: شعور الموظف أنه مهمل أو أنه غير مؤثر ولا يغير في شيء، عدم القدرة على التأثير في القرارات المتعلقة بالعمل، أو عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات، يجعله ذلك لا يعرف هل هو يقدم المجهود الكافي أ٬ لا، مما يقلل من الشعور بالإنجاز ويزيد من الإحباط.
- الخلافات والتنمر: وجود بيئة عمل سامة مليئة بالصراعات أو التنمر يخلق ضغطاً نفسياً كبيراً ويؤثر على شعور الموظف بالأمان والثقة.
- غياب الدعم القيادي: نقص الدعم من القادة أو المشرفين يمكن أن يجعل الموظف يشعر بالعزلة، ويزيد من شعوره بالضغط.
- الضغوط المالية: المخاوف المتعلقة بالأجور أو عدم الأمان الوظيفي تُعد عاملاً رئيسياً في زيادة القلق والتوتر لدى الموظفين، على سبيل المثال، التعرض لأخبار تنذر بأزمة اقتصادية قريبة لفترة من الزمن تجعل الموظف يشعر بأن مصدر رزقه مهدد، ما يمكن أن يسبب هذا الارهاق.
قد تساهم بعض السمات الشخصية أيضاً، مثل الميل للكمال perfectionism، أو الحاجة المفرطة للتحكم، في زيادة احتمالية الإرهاق، في هذه الحالة أنت تسعى إلى أهداف لا تتحقق، الكمال أو السيطرة المطلقة على كل شيء، استمرار السعي دون تحقيق الأهداف المرجوة قد يصل بك إلى حالة الإرهاق المهني تلك. ولكن في الغالب ما ترجع المشكلة الحقيقية للبيئة التي تسمح لهذه العوامل بالازدهار.
3. استراتيجيات الوقاية والتدخل الفعال: خارطة طريق للتعافي
تتطلب مواجهة الإرهاق المهني نهجاً مزدوجاً يشمل الأفراد والمنظمة.
أ. استراتيجيات على المستوى الفردي:
يمكن للموظفين اتخاذ خطوات استباقية لحماية أنفسهم من الإرهاق:
- وضع حدود واضحة: تحديد ساعات عمل ثابتة وتجنب الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات بعد انتهاء الدوام.
- أخذ فترات راحة منتظمة: الابتعاد عن المكتب بانتظام لتصفية الذهن وتجديد الطاقة، حتى لو كانت استراحة قصيرة.
- تحديد الأولويات وتفويض المهام: تقسيم عبء العمل إلى أجزاء يمكن إدارتها، وعدم التردد في طلب المساعدة أو تفويض المهام عند الإمكان.
- تعلم قول "لا": تقييم القدرة على تحمل المسؤوليات الإضافية والرفض بأدب عند الضرورة لتجنب الإرهاق.
- الاهتمام بالرعاية الذاتية: تخصيص وقت للأنشطة التي تغذي الجسد والعقل، مثل ممارسة التمارين الرياضية، والنوم الكافي، وممارسة التأمل.
- طلب الدعم: بناء علاقات قوية مع الزملاء أو الأصدقاء أو العائلة وطلب الدعم عند الحاجة، فالتحدث عن التحديات يمكن أن يوفر راحة نفسية ووجهات نظر جديدة.
- إجراءات التوازن التوازن الوظيفي (Work-Life Balance): كل ما تفعله لتحقيق التوازن بين العمل والحياة يساعدك في تجنب الإرهاق الوظيفي، إعرف المزيد من هنا:
التوازن الوظيفي: حتى لا يحترق الموظف!
ب. استراتيجيات على المستوى المؤسسي:
يجب على الشركات أن تتبنى استراتيجيات نظامية لمنع الإرهاق:
- فهم الأسباب الجذرية: يجب على الإدارة أن تعمل على فهم كيفية ظهور الإرهاق داخل المؤسسة والأسباب التي تؤدي إليه، وأن تفحص بيئة العمل وأعباء العمل وتوقعات المديرين، تحميل الموظفين بتوقعات تفوق قدراتهم يؤدي إلى هذه الحالة.
- تدريب المديرين: تُعد هذه خطوة حاسمة. تدريب المديرين على الصحة النفسية يُساعدهم على التعرف على علامات الضيق العاطفي لدى الموظفين وتقديم الدعم الفعال، ويُحسن مهاراتهم في التواصل المفتوح والإنصات.
- توفير برامج دعم شاملة: تقديم برامج مساعدة الموظفين (EAPs) التي توفر استشارات سرية، وورش عمل لإدارة التوتر، بالإضافة إلى إجازات خاصة بالصحة النفسية.
- تعزيز ثقافة الراحة والتعافي: تشجيع الموظفين على أخذ فترات راحة منتظمة، وأخذ إجازاتهم الكاملة، وتوفير بيئة عمل تقدّر أهمية الانفصال عن العمل لإعادة شحن الطاقة، إجراء مثل حظر تواجد الموظف في مقر العمل أثناء الإجازة يمكن أن يكون مثالاً جيداً للإجراءات التي يمكن تطبيقها،
- توضيح الأدوار وتقييم عبء العمل: مراجعة المهام والمسؤوليات باستمرار لضمان أنها واضحة ومناسبة لقدرات الموظفين، وإعادة توزيع الأدوار إذا لزم الأمر لمنع الإرهاق.
خاتمة: الإرهاق المهني ليس نهاية الطريق
صديقي الموظف، الإرهاق المهني ليس بالضرورة عيباً في شخصيتك، يمكن أن نبحث في الأسباب الحقيقية بموضوعية وبعيداً عن جلد الذات. عزيزي القائد، يمكن أن يكون الإرهاق المهني هو إنذار بأن بيئة العمل غير مستدامة وتعاني من مشكلة. إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب جهودًا مشتركة ومسؤولية متبادلة. فعندما يعمل الموظفون على رعاية أنفسهم وتحديد حدود واضحة، وتعمل المنظمات على خلق بيئة عمل داعمة ووقائية، يمكننا أن نتحول من مرحلة الاستنزاف إلى مرحلة الازدهار. إن الاستثمار في منع الإرهاق المهني هو استثمار في صحة الإنسان، وهو ما يضمن في نهاية المطاف بناء بيئات عمل أكثر صحة ومرونة وإنتاجية للجميع.
اشترك في النشرة البريدية
احصل على اخر المقالات أولاً
تابعنا على وسائل التواصل
احصل على الجديد أول بأول