المفيد المختصر: نظريات إدارة العمليات!

لا شك في أنك - عزيزي مدير/صاحب العمل - تريد الربح، والربح يأتي من رضا العميل واحساسه بالقيمة التي تقدمها له، ومن يصنع تلك القيمة هم موظفينك، والذين لابد ويأخذون جانبهم من الاهتمام والرعاية لضمان الاستمرارية، ومن يحقق كل تلك الأهداف هو "عمليات التشغيل".

لذلك، يجب أن تخضع العمليات إلى منهجية مدروسة، ويا حبذا لو كانت أيضاً مجربة ومنتجة بالفعل، ولا نحتاج أن نقول كونها مناسبة لأهدافك ولطبيعة مؤسستك، لذلك جمعنا لك أهم منهجيات ادارة الأعمال المعاصرة، مع نبذة مختصرة عن كل واحدة، في هذا المقال!

هذه المنهجيات ليست مجرد أدوات تقنية، بل هي فلسفات عمل متكاملة توفر أطرًا منظمة لتحليل الأداء، وتحديد أوجه القصور، وتنفيذ التحسينات التي تحدث فرقًا حقيقيًا. في هذا المقال، سنغوص في عالم المنهجيات الرائدة في تحسين العمليات: Lean (الإنتاج الرشيق)، و Six Sigma، و Lean Six Sigma، بالإضافة إلى نظرية القيود (TOC). سنستكشف الفروق بينها، وكيف يمكن لكل منها أن يكون بوصلتك نحو الاأداء التشغيلي المطلوب.

1. منهجية Lean (الإنتاج الرشيق): فن إزالة الهدر!

تخيل أنك تبني طريقًا، وكل خطوة فيه محسوبة بدقة لتوصيلك إلى وجهتك بأسرع وأكفأ طريقة ممكنة، دون أي عوائق أو تكاليف زائدة. هذا هو جوهر منهجية Lean، التي نشأت من نظام إنتاج تويوتا في الأربعينيات.  إنها فلسفة تركز بشكل أساسي على:

تحديد وإزالة جميع أشكال الهدر بشكل منهجي ضمن العمليات، بهدف واحد: زيادة القيمة المقدمة للعميل إلى أقصى حد. 

ما هي مبادئ Lean الأساسية؟

- تحديد القيمة من منظور العميل: ما الذي يعتبره العميل ذا قيمة حقيقية؟ هذا هو السؤال الأول والأهم. 

- تخطيط تدفق القيمة وإزالة الخطوات غير الضرورية: رسم خرائط دقيقة لكل خطوة في العملية لتحديد وإزالة الأنشطة التي لا تضيف قيمة أو تسبب تأخيرًا. 

- خلق تدفق مستمر للعمل: ضمان سير العمل بسلاسة وانسيابية، دون انقطاع أو اختناقات. 

- تطبيق نظام السحب (الإنتاج حسب الطلب): إنتاج ما هو مطلوب فقط، وفقط عندما يكون مطلوبًا، لتجنب تراكم المخزون الزائد أو الإنتاج غير الضروري. 

السعي نحو الكمال من خلال التحسين المستمر: ثقافة دائمة من البحث عن طرق أفضل للعمل، فكل تحسين هو خطوة نحو الكمال.

تستهدف Lean أنواعًا محددة من الهدر، مثل العيوب، والإنتاج الزائد، والانتظار، والمواهب غير المستغلة، والنقل غير الضروري، والمخزون الزائد، والحركة غير الفعالة، والمعالجة الإضافية.  تخيل كم يمكن أن توفر المؤسسة عندما تتخلص من هذه "الزوائد" التي تستنزف الوقت والمال والجهد البشري!

2. منهجية Six Sigma: مطاردة العيوب!

إذا كانت Lean تركز على إزالة الهدر، فإن Six Sigma تركز على الدقة المتناهية. نشأت هذه المنهجية في موتورولا عام 1986، وهي نهج يعتمد بشكل كبير على البيانات ويركز على العملاء، ويهدف إلى تحسين العمليات القائمة بشكل كبير عن طريق تحديد وتقليل الهدر والعيوب والتباين، وبالتالي تعزيز الكفاءة العامة.  إنها تسعى إلى تقليل الأخطاء إلى مستوى شبه معدوم، حيث لا يتجاوز عدد العيوب 3.4 لكل مليون فرصة. 

كيف تعمل Six Sigma؟ دورة DMAIC هي المفتاح!

كلمة DMAIC تشير إلى (Define, Measure, Analyze, Improve, Control). دورة تحسين تعتمد على البيانات من خمس مراحل، وتُستخدم في كل من Six Sigma و Lean Six Sigma لتحسين العمليات وتحسينها واستقرارها، لنتعرض لتلك المراحل سريعاً.

- التعريف (Define): في هذه المرحلة الأولية، يتم تحديد المشكلة أو فرصة التحسين بدقة من وجهات نظر الشركة، وأصحاب المصلحة، والعملاء. ما هي توقعات الجودة لدى العملاء؟ وما هو النطاق الدقيق للمشكلة؟

- القياس (Measure): يتم فحص عملية التشغيل الحالية بدقة لفهم أدائها وكيف تساهم في المشكلة المحددة. هل يمكن للعملية الحالية أن تلبي توقعات الجودة المحددة مسبقًا؟ يتم مطابقة كل خطوة من خطوات العملية بمعايير جودة محددة ومدعومة ببيانات الأداء الفعلية.

- التحليل (Analyze): يتم تحليل جميع المعلومات والبيانات التي تم جمعها حتى الآن بدقة لتحديد الطبيعة الدقيقة للمشكلة ونطاقها والأسباب الجذرية الكامنة وراءها.

- التحسين (Improve): يتم تطوير الحلول وتنفيذها ثم التحقق منها لحل المشكلة بفعالية. تتضمن هذه المرحلة جهودًا تعاونية لهيكلة حل يقضي على المشكلة وسببها الجذري، باستخدام البيانات لضمان ملاءمة الحل واختباره لاستخلاص بيانات الأداء.

- التحكم (Control): تركز المرحلة النهائية على مراقبة التحسينات المنفذة وضمان استدامتها. يتم وضع معايير أداء مقبولة، ويتم وضع خطة قوية لإدارة أي اختلافات قد تحدث، والحفاظ على التحسينات التي تم تحقيقها، ومنع تكرار المشكلة الأصلية.

3. منهجية Lean Six Sigma: الجمع بين الكفاءة والجودة!

ماذا لو جمعنا قوة Lean في إزالة الهدر مع دقة Six Sigma في تقليل العيوب؟ هذا هو بالضبط ما تقدمه منهجية Lean Six Sigma. إنها نهج يجمع بين مبادئ Lean لتقليل الهدر وتركيز Six Sigma على تقليل التباين والعيوب، ويستخدم دورة DMAIC المعدلة لاستغلال نقاط القوة في كلا النهجين. 

فوائد Lean Six Sigma: أثر يتجاوز العمليات!

لا تقتصر فوائد Lean Six Sigma على تحسين العمليات الداخلية فحسب، بل تمتد لتشمل الموظفين، والعملاء، والبائعين، والشركة ككل: 

- تحسين تجربة العمل والعملاء: من خلال زيادة كفاءة العمليات الهامة، يمكن للشركات تعزيز تجربة العمل للموظفين وتجربة العملاء للمشترين، مما يعزز الولاء داخليًا وخارجيًا.

- زيادة التحكم والفرص: تؤدي العمليات الانسيابية والمبسطة إلى تحكم أكبر وقدرة الشركة على الاستفادة بسرعة من الفرص الجديدة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة المبيعات والإيرادات، وتكاليف أقل، ونتائج أعمال أكثر نجاحًا.

- تطوير الموظفين وبناء زمالة قوية: إن إشراك الموظفين في جهود الكفاءة الجماعية على مستوى الشركة يمكن أن يحسن من مهاراتهم (مثل التفكير التحليلي وإدارة المشاريع) وفرص النمو لديهم، مع تعزيز روح الزمالة.

- توفير التكاليف: من خلال منع العيوب، توفر الشركات في الوقت والمال والجهد البشري الذي كان يُبذل سابقًا لتحديدها ومعالجتها. 

4. نظرية القيود (Theory of Constraints – TOC): كسر الاختناقات

هل شعرت يومًا أن جزءًا واحدًا فقط في عملية ما يبطئ كل شيء آخر؟ هذا هو "القيد" الذي تتناوله نظرية القيود (TOC). تركز هذه المنهجية على تحديد العامل الأكثر تقييدًا لعملية الإنتاج، أي لا يجعلها تعمل بطاقتها القصوى، ما يسمى (الاختناق) في نظام ما، وهو ما يجعل (عنق الزجاجة) من أسماء هذه النظرية . ثم استغلال هذا القيد ورفع كفائته/التحسين عليه بشكل منهجي لتحسين الأداء العام للنظام. الهدف هو تحسين تدفق العمل وزيادة الإنتاجية الإجمالية للنظام من خلال التركيز على النقطة التي تحد من الإنتاجية. 

الخطوات الرئيسية لتطبيق TOC: منهجية من 5 خطوات:

- تحديد القيد: تحديد الجزء من العملية الذي يحد من الإنتاجية الكلية. 

- استغلال القيد: تحقيق أقصى استفادة ممكنة من نقطة القيد الحالي بخطوات سريعة دون استثمارات كبيرة. 

- تنسيق باقي النظام مع القيد: جعل جميع الأجزاء الأخرى من النظام تدعم القيد وتعمل وفقًا لسرعته.

- رفع كفاءة/تحسين القيد: العمل على زيادة قدرة القيد أو إزالته إذا لزم الأمر. 

- العودة للخطوة الأولى (التحسين المستمر): بمجرد الانتهاء من هذا القيد، نذهب للقيد التالي، وتتكرر العملية، في دورة لا تتوقف من التحسين. 

الخلاصة

إدارة العمليات هي أهم ما يحرك المؤسسات في كل أقسامها، واتباع منهجاً مدروساً يناسب احتياجات العمليات في مؤسستك هو شيء لا غنى عنه. تُعد منهجيات Lean و Six Sigma و Lean Six Sigma ونظرية القيود أطرًا قوية لتحسين العمليات التشغيلية، كل منها يقدم منظورًا فريدًا وأدوات متخصصة. سواء كان التحدي يكمن في إزالة الهدر، أو تقليل العيوب، أو إدارة الاختناقات، فإن فهم هذه المنهجيات وتطبيقها بفعالية يمكن أن يمكّن المؤسسات من تحقيق تحسينات ملموسة في الكفاءة، والجودة، والربحية.

إن اختيار المنهجية الأنسب يعتمد على التحديات والأهداف المحددة لكل مؤسسة. لكن الأهم من اختيار المنهجية هو الالتزام بالتحسين المستمر، وتوفير التدريب الشامل للموظفين، وتعزيز ثقافة تنظيمية تتبنى التغيير والابتكار. من خلال تبني هذه المنهجيات، يمكن للشركات أن تظل مرنة وقادرة على التكيف في بيئة الأعمال المتغيرة باستمرار، محققة بذلك التشغيل الإنتاجي الذي يضمن لها مكانة رائدة في السوق.