كل ما يخص الموارد البشرية في المملكة العربية السعودية

مجموعة من الاأراء والمقالات لأفضل الكتاب

ابحث في المدونة

ابحث في المدونة

ابحث في المدونة

العافية المؤسسية

Aug 17, 2025

انكلوسيف

التوازن الوظيفي: حتى لا يحترق الموظف!

التوازن الوظيفي ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة استراتيجية حاسمة لرفاهية الموظفين ونجاح المنظمة.

لا يجوز أن نشبه الإنسان بالآلة - والتي بدورها تحتاج للراحة و"التزييت" حتى لا تحترق - كي نشرح أهمية ما يسمى بالتوازن الوظيفي (Work-Life Balance)، والذي لابد وتعرضت له عزيزي القارئ باعتباره من أهم موضوعات سوق العمل في الفترة الحالية، ولأن تشبيه الإنسان بالآلة أو بأي شيء هو إهانة لقيمة الإنسان، فلا بد لك أن تقرأ هذا المقال، لتتعرف على التوازن الوظيفي ببساطة وبلا تشبيهات، ومن أين تأتي أهميته، وكيف تحققه على المستوى الفردي إذا كنت موظفاً، أو المؤسسي إذا كنت صاحب عمل!

في خضم المنافسة الشرسة في سوق العمل، يجد الكثيرون أنفسهم في صراع دائم بين متطلبات العمل والحياة الشخصية. هذا الصراع، الذي غالبًا ما يضع العمل في كفة أرجح، لا يؤثر فقط على صحة الموظف وسعادته، بل يمتد تأثيره ليشمل أداء المنظمة ونجاحها. لقد حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم "التوازن الوظيفي"، ليس باعتباره رفاهية أو ميزة إضافية، بل كضرورة استراتيجية حاسمة لرفاهية الموظفين ونجاح المنظمة على المدى الطويل. 

1. التوازن الوظيفي: ما هو ولماذا هو مهم؟

يُشير مفهوم التوازن الوظيفي (Work-Life Balance) إلى قدرة الموظف على الحفاظ على علاقة صحية ومتناغمة بين مسؤولياته المهنية وحياته الشخصية. يتحقق هذا التوازن عندما يستطيع الموظف إدارة وقته بفعالية، بحيث يؤدي مهامه بجودة وكفاءة، وفي نفس الوقت يجد وقتاً كافياً لقضائه مع العائلة والأصدقاء، وممارسة الأنشطة الترفيهية والهوايات، والاسترخاء. 

إن تحقيق هذا الانسجام يُعد ضروريًا لعدة أسباب:

- تحسين الصحة العامة: يساهم التوازن الوظيفي في تقليل مستويات التوتر والإرهاق، مما ينعكس إيجابًا على الصحة البدنية والنفسية للموظف. 

- زيادة الإنتاجية والتركيز: الموظفون الذين يحققون توازناً صحياً يكونون أكثر تركيزاً وأقل عرضة لارتكاب الأخطاء، مما يعزز جودة عملهم وإنتاجيتهم. 

- الرضا الوظيفي والولاء: الشعور بالقدرة على التحكم في الحياة الشخصية والمهنية يزيد من رضا الموظف وولائه للمنظمة، ويقلل من رغبته في البحث عن وظيفة جديدة. 

- المرونة والقدرة على التكيف: يساعد التوازن على بناء مرونة نفسية تسمح للموظف بالتعامل مع تحديات العمل بفاعلية أكبر.


2. أسباب تعيق تحقيق التوازن: من ساعات العمل الطويلة إلى الضغوط المالية

تتعدد العوامل التي تحول دون تحقيق الموظفين لهذا التوازن، وغالبًا ما تكون متجذرة في بيئة العمل نفسها:

- ساعات العمل الطويلة والمسؤوليات المتزايدة: العمل لساعات إضافية بشكل مستمر أو تكليف الموظف بمهام تفوق قدراته يؤدي إلى استنفاذ وقته وجهده، ويقلل من الوقت المتاح لحياته الشخصية. 

- بيئات العمل غير المرنة: السياسات الصارمة بشأن ساعات الحضور والعمل من المكتب دون توفير خيارات مرنة (مثل العمل عن بُعد) تُعيق الموظفين عن تلبية احتياجاتهم الشخصية. 

- الإغراق التكنولوجي: أدى التطور التكنولوجي إلى طمس الحدود بين العمل والحياة الشخصية، فالموظف أصبح متاحاً للرد على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات في أي وقت، مما يُصعب عليه الانفصال عن العمل. 

- الضغوط المالية: قد يُجبر الموظفون على العمل لساعات إضافية أو البحث عن وظيفة ثانية بسبب المخاوف المالية، مما يجعلهم يضحون بوقتهم الشخصي من أجل الاستقرار المادي. 

- غياب الدعم القيادي: ضعف دعم القيادة أو عدم وضوح الأدوار الوظيفية يمكن أن يخلق بيئة عمل مرهقة ويزيد من مستويات التوتر والقلق لدى الموظفين. 


3. استراتيجيات عملية لتعزيز التوازن: مسؤولية مشتركة بين الفرد والمنظمة

يتطلب تحقيق التوازن الوظيفي جهداً مشتركاً من الموظف والشركة، حيث يجب أن تتكامل الاستراتيجيات الفردية مع المبادرات المؤسسية:

أ. على المستوى الفردي:

- وضع حدود واضحة: تحديد ساعات عمل ثابتة وتجنب الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات بعد انتهاء الدوام، إلا في حالات الضرورة القصوى. 

- أخذ فترات راحة منتظمة: الابتعاد عن المكتب بشكل دوري لتصفية الذهن وتجديد الطاقة، حتى لو كانت استراحة قصيرة لتناول الغداء أو المشي. 

- إدارة الوقت وتحديد الأولويات: تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء صغيرة، وترتيبها حسب الأهمية، وعدم التردد في تفويض المهام أو طلب المساعدة عند الحاجة. 

- تعلّم قول "لا": تقييم القدرة على تحمل المسؤوليات الإضافية والرفض بأدب عند الضرورة لتجنب الإرهاق. 

- الاهتمام بالصحة الشخصية: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والنوم الكافي، وممارسة تقنيات الاسترخاء مثل اليقظة الذهنية والتأمل. 

ب. على المستوى المؤسسي:

- سياسات العمل المرنة: توفير خيارات مثل العمل عن بُعد، وساعات العمل المرنة، والإجازات الخاصة بالصحة النفسية، مما يمنح الموظفين الحرية في تنظيم حياتهم. 

- تخفيف عبء العمل: مراجعة وتعديل مهام العمل لضمان حصول الموظفين على قدر مناسب من المسؤوليات، وتوضيح الأدوار والأهداف بفعالية. 

- توفير الدعم والموارد: إتاحة الوصول لبرامج الدعم النفسي، مثل برامج مساعدة الموظفين (EAPs)، وورش العمل التثقيفية حول إدارة التوتر. 

- تعزيز ثقافة الراحة والتعافي: تشجيع الموظفين على أخذ إجازاتهم الكاملة، وأخذ فترات راحة منتظمة، وخلق بيئة عمل تقدر أهمية الانفصال عن العمل. 


4. مفارقة العمل عن بُعد: نعمة ونقمة في آن واحد

يُعد العمل عن بُعد من أبرز التطورات التي أثرت على التوازن الوظيفي، ولكنه يحمل في طياته مفارقة معقدة:

- الإيجابيات: يرى الكثيرون أن العمل عن بُعد يُحسن التوازن بين العمل والحياة من خلال إلغاء التنقل اليومي، وتوفير جداول عمل مرنة، وزيادة الاستقلالية والإنتاجية. 

- السلبيات: في المقابل، يمكن أن يؤدي إلى طمس الحدود الواضحة بين العمل والحياة الشخصية، مما يزيد من الشعور بالضغط لكون الموظف متاحاً طوال الوقت. كما أن غياب التفاعل الاجتماعي المباشر قد يؤدي إلى شعور الموظف بالعزلة والاغتراب. 

لذلك، يجب على الشركات التي تُطبق أنظمة العمل عن بُعد أن تضع سياسات واضحة لدعم الموظفين في وضع هذه الحدود، نقصد الحدود بين العمل والحياة الشخصية عن طريق قواعد ولوائح واضحة، توفير أوقات استراحة افتراضية وخلافه مما شرحنا سابقاً، وأن تُعزز التواصل الاجتماعي الافتراضي، على سبيل المثال، الحرص على اجتماعات فيديو دورية لمزيد من التعارف وتقارب وجهات النظر،  وتوفر الموارد اللازمة للحفاظ على الصحة النفسية. 

خاتمة: التوازن ليس هدفاً، بل رحلة مستمرة

إن تحقيق التوازن الوظيفي لم يعد هدفاً يُسعى إليه، بل هو عملية مستمرة وديناميكية تتطلب وعياً دائماً وجهوداً متكاملة من الأفراد والمنظمات. الشركات التي تتبنى هذا المفهوم كضرورة استراتيجية هي التي ستحافظ على أفضل مواهبها، وتزيد من إنتاجيتها، وتُعزز ولاء موظفيها. إن الاستثمار في التوازن الوظيفي هو استثمار في الإنسان، وهو ما يضمن في النهاية بناء بيئات عمل مزدهرة ومستدامة.

اشترك في النشرة البريدية

احصل على اخر المقالات أولاً

تابعنا على وسائل التواصل

احصل على الجديد أول بأول